مستقبل الأمن النووي

د.أيــمــن أبــو غــزال 

بعد تجربة السلاح النووي الحراري في العام 1953  قال إيجور كورتشاتوف ،الأب الروحي ومخترع القنبلة الذرية السوفيتية:" لقد كان شيئا رهيبا ، إنه مشهد وحشي ! يجب ألا نسمح بإستخدام هذا السلاح".
الأمن النووي هو نتاج لتجربة عاشتها البشرية في الماضي ،لتشكل مع الوقت مجموعة من الانظمة والقواعد المتفق عليها في الحاضر، ولكي تتحقق أهدافها وتترجم على أرض الواقع، يجب أن يخضع لها الجميع بلا إستثناء.
يلقي شعار واحدة من أعرق جامعات روسيا والعالم في مجال الطاقة النووية، الجامعة الوطنية للبحوث النووية (معهد موسكو لهندسة الفيزياء)، بمحتواه على أبجديات ثقافة الأمن والأمان النووي، ليجسد الحصان الجامح قوة وعظمة الطاقة النووية، واليد تمسك اللجام مروضتا هذه القوة من أجل إستخدامها الآمن في خدمة البشرية.
دائما ما يقال أن العالم تغير بعد الأحداث الإرهابية التي وقعت في 11  سبتمبر 2001 ، لكن في الواقع ،تغير العالم الى الأبد بعد التاسع من أغسطس من العام 1945 في أول ظهور وإستخدام عسكري للطاقة النووية في الحرب العالمية الثانية، حيث رأى الناس كيف تبدو معادلة ألبرت أينشتاين الشهيرة على أرض الواقع، حينها بدأ أينشتاين في معارضة هذا النوع من الأسلحة، وفي رسالة كتبها الى الفيلسوف الياباني سينوهارا قال فيها:» يبدو لي أن العزاء الوحيد من إنشاء القنبلة النووية هو أنها ستحقق هدفها كسلاح ردع وتساهم في تطوير الأمن الدولي». أدى ذلك الى بزوغ فجر حقبة جديدة في منظومة الأمن النووي وما زالت مستمرة بل وتزداد تطورا الى يومنا هذا.
إقترن هذا الخطر المادي والتقني الكبير بالطلب العالمي المتزايد على نصيب الفرد من الطاقة حيث كان هناك إعتماد مستمر على الطاقة النووية من أجل توليد الطاقة الاساسية ، وإنتاج الكهرباء بهذا الشكل يتطلب ضمانات وضوابط دولية للاستخدامه بشكل آمن . كما يتم توفير المزيد والمزيد من ميزانية الطاقة العالمية من مصادر منخفضة الكربون مما يؤدي الى الزيادة في حجم المواد النووية الموجودة بشكل كبير ،الأمر الذي يتطلب قدراً من الاهتمام والسياسة لضمان سلامتها وأمنها على الامد البعيد. تشكل بعض التقنيات الناشئة تهديداً وفرصة في نفس الوقت ، على سبيل المثال : يعد تطبيق الطائرات بدون طيار (الطائرات المسيرة) في المراقبة الروتينية للأمن النووي وتقييم حالات الطوارئ أمرًا واعدًا للغاية ، ولكن في الوقت نفسه يمثل تهديدًا أمنيًا ، حيث أن العديد من المواقع النووية في الوقت الحالي ليست جاهزة بشكل كامل لاكتشاف أو منع التوغلات المنسقة. كما و شهد حقل صناعة الروبوتات في السنوات الأخيرة تقدما باهرا ويعتبر واحدا من أهم تخصصات المستقبل ، حيث اثمرت الجهود الى بناء جيل من الروبوتات اكثر تعقيدا من أي وقت مضى، ولا شك أن توسيع نطاق إستخدامها في أمن البنية التحتية لمحطات الطاقة النووية سيشكل تحولا إيجابيا كبيرا في مستقبل الطاقة النووية.
المخاطر المستقبلية على الأمن النووي المحلي والعالمي ستظل تمثلها مجموعات او أفراد هدفها الوحيد هو الدمار، و بالتزامن مع  ذلك  سيكون هناك تهديد متزايد من خلال أساليب أكثر تقدما من الناحية التكنولوجية. في حين لا يزال هناك تهديد حقيقي من الهجمات على البنية التحتية النووية أو من الجماعات التي قد تستطيع الحصول على المواد المشعة ونشرها داخل المناطق المأهولة بالسكان ، ومع اعتبار أن إحتمال وقوع هجوم من هذا النوع يبقى منخفضا ،لكن يبقى مستوى التهديد ثابتا نسبيا. ولكن كرادع يحول دون حدوث مثل هذه الهجمات ، سيظل الوجود الأمني المسلح التقليدي مطلوبا في المواقع النووية.
على الرغم من الفوائد الهائلة التي جلبتها هذه التقنيات التكنولوجية الذكية على المجتمع ، بما في ذلك فائدتها للقطاع النووي في القياس الكمي ، فقد يُنظر إلى إنترنت الأشياء والتقنيات الذكية على نطاق واسع على أنها واحدة من أكبر التهديدات المحتملة للأمن النووي العالمي في المستقبل القريب. إن الأمن المادي والسيبراني المتكاملين سيعملان جنب الى جنب من أجل صد الخطر من الداخل وهو أمر ضروري وملح لمواجهة تيار التهديدات المحتمل للقطاع النووي العالمي.
أحد أهم مشاريع هذا العصر في مجال الطاقة النووية نفذ في روسيا من قبل علماء وخبراء الصناعة البارزين، حيث تركز المشروع على إنشاء جيل جديد من تقنيات الطاقة النووية على أساس دورة الوقود النووي المغلقة، وذلك بإستخدام مفاعلات النيترونات السريعة (مفاعل بريست والذي يقع بالقرب من مدينة أومسك الروسية). من أهم أهداف هذا المشروع ، والمسمى «براروف»،هي إستبعاد وقوع حوادث نووية شديدة في محطات الطاقة النووية مثل : حوادث إشعاعية ، فقدان التبريد، الحرائق والإنفجارات التي تتطلب إجلاء السكان. كما و ركز المشروع على تعزيز التكنولوجيا التي تضمن عدم إنتشار الأسلحة النووية، فهذا النوع من المفاعلات الجديدة لا يمكن إستخدامه لتلك الأغراض.
يشكل الأمن النووي أحد اهم المجالات التي ما زالت تحظى باهتمام كبير في سياسات الدول، حيث أدى تزايد الأنشطة النووية السلمية والإنتشار الرأسي للأسلحة النووية وتزايد التهديدات الإرهابية إلى إخد بعد الأمن النووي على محمل الجد ضمن إستراتيجيات الدول الدفاعية، ولم يقتصر التهديد الإرهابي النووي على إستخدام الأسلحة النووية فقط بل إمتد الى مجالات أخرى عديدة كالإستيلاء والإتجار بالمواد النووية ولم يعد الأمر محصورا فقط بالدول النووية العظمى بل شمل كافة الدول، بحكم إنتشار تقنيات الإشعاع النووي في معظم أنحاء العالم.
ويبقى مستقبل الأمن النووي مرهونا بالإلتزام بتطبيق ما نصت عليه الصكوك والإتفاقيات التي وضعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أجل تعزيز دور الأمن النووي الشامل، فالتعامل مع المواد المشعة بشكل غيرمسؤول يسبب أخطاء قاتلة ، فإذا وقع الخطر فالأرجح أنه لن يكون هناك فرصة للتراجع ، وبالنسبة للبلدان التي تكون مساحة أراضيها صغيرة ، فإن التلوث الإشعاعي سيكون بمثابة ضربة نووية مدمرة.
حماية محطات الطاقة النووية وغيرها من المنشآت ذات الصلة يرتكز على أمرين ، الاول: التقنية الأمنية المناسبة ، والثاني : القوى البشرية ذات الحرفية العالية ،  ولن يعمل الاول والثاني بشكل جيد دون دمجهم بأمر ثالت ، الا وهو ثقافة الأمن النووي.

نقلاٌ عن جريدة الدستور .